الثلاثاء، 30 يوليو 2013

بئر انزران: 17 من رمضان 1979

كانت تمر أيام السنة 1979 و معنويات الوحدات العسكرية للبوليساريو تقترب من علو السماء السابع نتيجة الهجمة المجيدة التي أطلق عليها "هجمة هواري بومدين" و التي اقتربت نيرانها من ابواب العيون المحتلة منذ بدايتها في يناير 1979. لم يكاد العام يبدء باحسن طريقة لدعم معنويات الجيش الصحراوي و ها هي الفنانة ام ادليلة تغني اغنيتها الشهيرة "عملية لمسايل" و التي وقعت في يناير شمال مدينة العيون و تم خلالها اسقاط خمسة طائرات من نوع الهيليكوبتر و طائرة من نوع F-5. في نفس الشهر تمت مهاجمة مدينة الطنطان داخل الحدود المغربية و التي تقع على مسافة 150كلم شمال خط العرض’27.40.
لم تتوقف الانتصارات العسكرية على الاراضي المغربية على ايدي القوات الصحراوية، فها هي "اشبيكة"، "آسا"، "الطنطان" (مرتين)، "آكا"، "اميتي"،"طاطا" و "امحاميد الغزلان" على بعد 500كلم شمال خط العرض’27.40.البوليساريو، و في عرض خارق لقوتها و قدراتها، قررت نقل الحرب الى عقر دار العدو.
لم يمر وقت طويل على ظهور الثمار لما حققته البوليساريو على الميدان العسكري. ففي العام 1979، اكثر من اي عام آحر، حصدت الجمهورية الصحراوية اكبر عدد من الاعترافات في عام واحد. سبعة عشر دولة اعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية و للمرة الاولى قفزت القضية الصحراوية بعيدا عن الحدود الافريقية لتصل الى امريكا اللاتينية و آسيا و تكتسب اعتراف دول كالمكسيك، الفيتنام، لاؤوس، نيكراڭوا و الدومينيك...الخ.
و لكن الانتصارات لم تتوقف بعد، ففي نفس السنة وقع حدث تاريخي في الثاني و العشرين من يونيو 1979 و هو ظهور ممثل للبوليساريو، و لأول مرة، امام مجلس الامن في مقر الامم المتحدة.
بدء صيف العام 1979 و وحداتنا، بدلا من البحث عن ظل للاستراحة، قامت ببرمجة هجوم شرس على احد اكبر مواقع التمركز للجيش المغربي و الواقع في منطقة "بئر انزران" و سط الصحراء الغربية. هذه النقطة العسكرية السابقة للمستعمر الاسباني تأخذ اسمها من البئر الواقع في منطقة "بئر انزران" و لكن هذه المنطقة هي عبارة عن قطعة من الارض متساوية و مشكلة من أراضي عشبية و مراعي ممتدة على شكل دائرة بمساحة40كلم و تسمى من قبل السكان الاصليين ب "لڭرارا" و التي يوجد بها الكثير من "الطلح" و "إكّنين". نظرا لموقها الجغرافي، تعتبر هذه المنطقة استراتيجية للعدو و مهاجمتها تفرض على وحداتنا التوجه الى جبال"نڭجير" الواقعة جنوبا و التي تبعد ثمانية عشر كلم من "بئر انزران".
في السابع عشر من رمضان ١٣٩٩ھ و الموافق للحادي عشر من اغسطس1979م، و بدلا من التراجع نظرا لحلول شهر رمضان و آناء الصيف، هاجمت و بكل شراسة النقطة العسكرية الواقعة في "بئر انزران". في بداية الفجر و بعد السحور بوقت وجيز، بدأت ثلاثة وحدات من الجيش الشعبي الصحراوي بالتقدم نحو "اڭراير" "بئر انزران" و التي يوجد فيها الموقع المحصن بحراسة مشددة من طرف عدة كتائب تنتمي لأكبر قاعدة مغربية في الجنوب. تحت حر الصيف و هم صيام، بدأ المقاتلون هجمتهم الشرسة و التي امتدت من السادسة صباحا حتى الثانية بعد الظهر.
بدأ تقدم الوحدات الخفيفة من جبل "نڭجير" على سرعة منقطعة النظير مقتحمين العدو بينما كانت المدفعية تمطر مواقعه بكل ما اوتيت من نيران للتغطية على المهاجمين لتكون النتيجة كالعادة انتصارا آخر بكل معنى للكلمة في العملية. تم اسر 75 جندي من المغاربة و سقوط اكثر من مئة من القتلى بالاضافة الى عدد لا يحصى من الغنائم بين عدة و عتاد.
بالرغم من العدد القليل من الضحايا في صفوف المقاتلين، يجب الاشارة الى انه جرح قائد الناحية العسكرية الرابعة، و التي وكلت لها مهمة التغطية على المنطقة، السيد بنة ولد باها.
ثلاثة عشر يوما فقط بعد ذلك و بالتحديد في الرابع و العشرين من اغسطس 1979 آخر ايام رمضان المعظم، توجهت وحداتنا بلا ملل و لا تعب الى الشمال و قامت بإنجاز احد اكبر العمليات في تاريخ جيش التحرير الشعبي الصحراوي. بعيدا عن حدود الصحراء الغربية قامت وحداتنا بمهاجمة منطقة "لبيرات" الواقعة بالقرب من الهضاب الغربية-الشمالية ل"لبطانة". في خضم الشهر المعظم و تحت آناء الصيف في شهر اغسطس، قامت مجموعة مكونة من مئة سيارة من نوع "لاندروفر" تابعة للبوليساريو بالانقضاض على الكتيبة الثالثة للمدرعات في الجيش المغربي و تدميرها بالكامل. اهمية عملية "لبيرات" تقع في كونها قد شهدت ما لا تصدقه العين و هو ان سيارات "اللاندروفو" التابعة للبوليساريو قامت بذبح دبابات ال T-54 التابعة للجيش المغربي في ما اعتبره المؤرخين ب"Bien Dien Fu" الصحراوية.
انه لمن الصعب تصديق ان في يومنا هذا، السابع عشر من رمضان 2013، و بالرغم من توفر اداراتنا و مكاتبنا في "الرابوني" و اوروبا على كل انواع الامكانات، حتى المكيفات الهوائية، لم نسمع عن نشر و لو رسالة شجب واحدة لاتفاقية الصيد الموقعة بين الاتحاد الاوروبي و المغرب. ضف الى ذلك الهدوؤ النسبي الذي استقبلت به هذه الاتفاقية في المناطق المحتلة و الذي يكشف حقيقة التسيير الهزلي للملف من طرف وزارة المناطق المحتلة وذراعها في "جزر الكاناري". يبدو ان ثمة شيئ خطير جدا وقع لجعل الصحراويون يستبدلون الروح القتالية التي جعلتهم في الماضي يتمكنوا من انجاز عمليات كبيرة و مهمة، حتى عندما يصادف الشهر الاعظم موسم الصيف، بهذا الهدوء المفرط اليوم.
بقلم: حدمين مولود سعيد
في فالينسيا: 17 من رمضان 2013.
ترجمة السيد : ازروگ اللولة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر تصفح خلال الاسبوع

 
Design by التغيير - | صوت التعبير الحر